منذ لحظة الإعلان عن إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، بدأ الحديث عن تداعيات هذه الأزمة على الأوضاع المحلية من جوانبها كافة، لا سيما على الصعيدين الإقتصادي والمالي، خصوصاً بعد المعلومات عن تعرض سندات لبنان السيادية الدولاريّة إلى ضغوط كبيرة، لكن بعد ظهور الحريري، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، أفيد عن أن تلك السندات بدأت تتعافى، نظراً إلى أنه تحدث عن عودته قريباً إلى لبنان.
على المستوى السياسي، هناك أجواء إيجابية ناجمة عن تأكيد رئيس الحكومة أن التسوية لا تزال قائمة، الأمر الذي دفع أكثر من فريق إلى التعبير عن إرتياحه، بالرغم من الغموض الذي لا يزال يعتري وضع الحريري في العاصمة السعودية الرياض، لكن ماذا عن الأوضاع المالية والإقتصادية؟.
في هذا السياق، يشير الخبير الإقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن سوق السندات مرتبط بشكل وثيق مع العالم السياسي، موضحاً أنه عندما يكون هناك تخبط في هذا العالم تدفع تلك السندات الثمن من خلال إرتفاع كلفة التأمين عليها، لافتاً إلى أن حديث رئيس الحكومة عن عودته إلى البلاد يعني إنحسار الأزمة التي بدأت مع إعلانه عن الإستقالة قبل أكثر من اسبوع من اليوم.
ويلفت عجاقة إلى أن وضع سوق السندات متعلق بشقين: الأول هو المالية العامة التي تحتاج إلى معالجة، خصوصاً على مستوى الدين العام والسيطرة عليه، والثاني له علاقة مباشرة بالأوضاع السياسية، مشيراً إلى أن عودة الحريري تؤثر على الشق الثاني، ما يعني إمكانية العودة إلى ما كان عليه الوضع قبل إعلانه الإستقالة.
على صعيد متصل، يوضح عجاقة أنه من الآن حتى عودة رئيس الحكومة سيكون هناك فترة غموض، "سنراها بشكل يومي من خلال مراقبة حركة السندات"، لكنه يؤكد أنها ستبقى بهامش محصور، لافتاً إلى أن مجرد ظهور الحريري بالأمس أعطى ثقة للمستثمر من الخارج بالسندات، ويشدد على أن الجزء الأكبر من الغموض سينجلي عند عودته إلى البلاد حتى ولو كان هناك أزمة حكومية.
من جانبه، يرى الخبير الإقتصادي والمالي وليد أبو سليمان، في حديث لـ"النشرة"، أن إعلان رئيس الحكومة عن إستقالته أدى إلى "نقزة" كبيرة، مشيراً إلى أن تلميح الحريري إلى إمكانية العودة عن الإستقالة، بالإضافة إلى تأكيده لعودته قريباً إلى لبنان، كان بمثابة الصدمة الإيجابية الحقيقيّة، لافتاً إلى أن هذا الأمر أدى إلى عودة التفاؤل إلى الأسواق الماليّة، وهو ما تجلى بإرتفاع سعر سندات الخزينة لعام 2024.
ويشرح أبو سليمان أن الوضع على مستوى الليرة اللبنانية والتحويلات إلى الخارج بعد الإستقالة كان طبيعياً، في حين أن الضغط كان على السندات المعروضة في الخارج، موضحاً أنه اليوم كان هناك إرتفاع في الطلب على هذه السندات وفي حال العودة عن الإستقالة سيعود الوضع إلى ما كان عليه قبل الإستقالة، لا سيما بعد أن إستقام الوضع في المؤسسات الدستورية وتم إنجاز موازنة العام 2017 وكان ملف النفط موضوعا على طاولة مجلس الوزراء.
وفي حين يتخوّف الكثيرون من أن تكون البلاد مقبلة على أزمة حكوميّة بعد عودة الحريري في حال قرر التمسك بالإستقالة، يوضح أبو سليمان أن قرع طبول الحرب في بداية الأزمة أثار المخاوف في الأسواق، "لكن أي أزمة حكومية لن تطول لأن من حسن حظنا أن هناك إنتخابات نيابية في شهر أيار المقبل، وبالتالي سيكون لدينا حكومة جديدة بعدها"، لافتاً إلى أن الحريري ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري أكدوا أن هذا الإستحقاق سيجري في موعده، قائلاً: "الإنتخابات تعيد الثقة مالياً وإقتصادياً".